فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُحْرَمُ بِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُحْرَمُ بِهِ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُحْرَمُ بِهِ، فَمَا يُحْرَمُ بِهِ فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: الْحَجُّ وَحْدَهُ، وَالْعُمْرَةُ وَحْدَهَا، وَالْعُمْرَةُ مَعَ الْحَجِّ، وَعَلَى حَسَبِ تَنَوُّعِ الْمُحْرَمِ بِهِ يَتَنَوَّعُ الْمُحْرِمُونَ، وَهْم فِي الْأَصْلِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ، وَمُفْرِدٌ بِالْعُمْرَةِ، وَجَامِعٌ بَيْنَهُمَا، فَالْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ هُوَ الَّذِي يُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَا غَيْرُ، وَالْمُفْرِدُ بِالْعُمْرَةِ هُوَ الَّذِي يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ لَا غَيْرُ.
وَأَمَّا الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا فَنَوْعَانِ: قَارِنٌ، وَمُتَمَتِّعٌ، فلابد مِنْ بَيَانِ مَعْنَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَبَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بِسَبَبِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ، وَبَيَانِ الْأَفْضَلِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يُحْرَمُ بِهِ: أَنَّهُ الْإِفْرَادُ أَوْ الْقِرَانُ أَوْ التَّمَتُّعُ.
أَمَّا الْقَارِنُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، فَهُوَ اسْمٌ لِآفَاقِيٍّ يَجْمَعُ بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ قَبْلَ وُجُودِ رُكْنِ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ الطَّوَافُ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ، فَيَأْتِي بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَأْتِي بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، سَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ بِكَلَامٍ مَوْصُولٍ أَوْ مَفْصُولٍ، حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ الطَّوَافِ لِلْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرِهِ كَانَ قَارِنًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْقِرَانِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ وَشَرْطِهِ، وَلَوْ كَانَ إحْرَامُهُ لِلْحَجِّ بَعْدَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرِهِ لَا يَكُونُ قَارِنًا، بَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ مَعْنَى التَّمَتُّعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ بَعْدَ وُجُودِ رُكْنِ الْعُمْرَةِ كُلِّهِ وَهُوَ الطَّوَافُ سَبْعَةُ أَشْوَاطٍ، أَوْ أَكْثَرِهِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْوَاطٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي تَفْسِيرِ الْمُتَمَتِّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ يَكُونُ قَارِنًا لِإِتْيَانِهِ بِمَعْنَى الْقِرَانِ، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ؛ إذْ السُّنَّةُ تَقْدِيمُ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ عَلَى إحْرَامِ الْحَجِّ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجَّةِ فِي الْفِعْلِ فَكَذَا فِي الْقَوْلِ، ثُمَّ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ يُنْظَرُ، إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِحَجَّتِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ أَوَّلًا لِعُمْرَتِهِ وَيَسْعَى لَهَا ثُمَّ يَطُوفَ لِحَجَّتِهِ وَيَسْعَى لَهَا مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ فِي الْفِعْلِ، فَإِنْ لَمْ يَطُفْ لِلْعُمْرَةِ، وَمَضَى إلَى عَرَفَاتٍ، وَوَقَفَ بِهَا صَارَ رَافِضًا لِعُمْرَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاضَ لِأَجْلِ الْحَجَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّهَا قَدِمَتْ مَكَّةَ مُعْتَمِرَةً فَحَاضَتْ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُرْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاصْنَعِي فِي حَجَّتِكِ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ»، وَهَاهُنَا وُجِدَ دَلِيلُ الِارْتِفَاضِ، وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِالرُّكْنِ الْأَصْلِيِّ لِلْحَجِّ فَيَتَضَمَّنُ ارْتِفَاضَ الْعُمْرَةِ ضَرُورَةً، لِفَوَاتِ التَّرْتِيبِ فِي الْفِعْلِ، وَهَلْ يَرْتَفِضُ بِنَفْسِ التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ؟، ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِضُ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْمَنَاسِكِ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، فَقَالَ: الْقِيَاسُ أَنْ يَرْتَفِضَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَرْتَفِضُ، عَنَى بِهِ الْقِيَاسَ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَرْتَفِضُ ظُهْرُهُ عِنْدَهُ، كَذَا هاهنا يَنْبَغِي أَنْ تَرْتَفِضَ عُمْرَتُهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَقَالَ: لَا يَرْتَفِضَ مَا لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَاتٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ لَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ ضَرُورَاتِ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَأَدَاءُ الْجُمُعَةِ يُنَافِي بَقَاءَ الظُّهْرِ فَكَذَا مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَاتِهِ إذْ الثَّابِتُ ضَرُورَةً شَيْءٌ مُلْحَقٌ بِهِ، وَهَاهُنَا التَّوَجُّهُ إلَى عَرَفَاتٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ ضَرُورَاتِ الْوُقُوفِ بِهَا، لَكِنَّ الْوُقُوفَ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْعُمْرَةِ صَحِيحَةً، فَإِنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ تَبْقَى صَحِيحَةً مَعَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ هاهنا إلَى مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَفْعَالِ، فَمَا لَمْ تُوجَدْ أَرْكَانُ الْحَجِّ قَبْلَ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ لَا يُوجَدُ فَوَاتُ التَّرْتِيبِ، وَذَلِكَ هُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَأَمَّا التَّوَجُّهُ فَلَيْسَ بِرُكْنٍ، فَلَا يُوجِبُ فَوَاتَ التَّرْتِيبِ فِي الْأَفْعَالِ، وَإِنْ كَانَ طَافَ لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ عُمْرَتَهُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ فِي الْفِعْلِ، إذْ السُّنَّةُ هِيَ تَقْدِيمُ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَإِذَا تَرَكَ التَّقْدِيمَ فَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْبِدْعَةُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْفُضَ لَكِنْ لَا يُؤْمَرُ بِذَلِكَ حَتْمًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ طَوَافُ اللِّقَاءِ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَلَوْ مَضَى عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْلِ النُّسُكِ، وَإِنَّمَا تَرَكَ السُّنَّةَ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِي الْفِعْلِ، وَإِنَّهُ يُوجِبُ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْفَسَادِ، وَعَلَيْهِ دَمُ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ قَارِنٌ لِجَمْعِهِ بَيْنَ إحْرَامِ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ، وَالْقِرَانُ جَائِزٌ مَشْرُوعٌ، وَلَوْ رَفَضَهَا يَقْضِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ بِالشُّرُوعِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِرَفْضِهَا؛ لِأَنَّ رَفْضَ الْعُمْرَةِ فَسْخٌ لِلْإِحْرَامِ بِهَا، وَأَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ إدْخَالِ النَّقْصِ فِي الْإِحْرَامِ، وَذَا يُوجِبُ الدَّمَ فَهَذَا أَوْلَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ: فَهُوَ اسْمٌ لِآفَاقِيٍّ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ، وَيَأْتِي بِأَفْعَالِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، أَوْ يَأْتِي بِأَكْثَرِ رُكْنِهَا.
وَهُوَ الطَّوَافُ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَحُجُّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلْمَامًا صَحِيحًا، فَيَحْصُلَ لَهُ النُّسُكَانِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ، سَوَاءٌ حَلَّ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، أَوْ لَمْ يَحِلَّ، إذَا كَانَ سَاقَ الْهَدْيَ لِمُتْعَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ بَيْنَهُمَا.
وَيُحْرِمُ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَوْقُ الْهَدْيِ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّحَلُّلِ فَصَارَ الْمُتَمَتِّعُ نَوْعَيْنِ: مُتَمَتِّعٌ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ، وَمُتَمَتِّعٌ سَاقَ الْهَدْيَ فَاَلَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ إذَا فَرَغَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا تَحَلَّلَ صَارَ حَلَالًا كَسَائِرِ الْمُتَحَلِّلِينَ إلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَحَلَّلَ مِنْ الْعُمْرَةِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَيُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا أَيْ لَا يُلِمُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ بِالْأَهْلِ يُفْسِدُ التَّمَتُّعَ.
وَأَمَّا الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّحَلُّلُ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحِلُّ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَسَوْقُ الْهَدْيِ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّحَلُّلِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْلِقُوا إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ»، وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَقُمْ عَلَى إحْرَامِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِقْ».
وَرُوِيَ: «أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْلِقُوا قَالُوا لَهُ: إنَّكَ لَمْ تَحِلَّ، فَقَالَ: إنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ فَلَا أُحِلُّ مِنْ إحْرَامِي إلَى يَوْمِ النَّحْرِ».
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَتَحَلَّلْتُ كَمَا أَحَلُّوا» فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ الْحِلِّ سَوْقُ الْهَدْيِ، وَلِأَنَّ لِسَوْقِ الْهَدْيِ أَثَرًا فِي الْإِحْرَامِ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ دَاخِلًا فِي الْإِحْرَامِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَثَرٌ فِي حَالِ الْبَقَاءِ حَتَّى يَمْنَعَ مِنْ التَّحَلُّلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ إحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهَا عِنْدَنَا، بَعْدَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَوْ رُكْنِهَا أَوْ بِأَكْثَرِ الرُّكْنِ فِي الْأَشْهُرِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطُ كَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا: الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي الْأَشْهُرِ، حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ أَتَى بِأَفْعَالِهَا فِي الْأَشْهُرِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَهُ رُكْنٌ فَكَانَ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، فلابد مِنْ وُجُودِ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَمْ يُوجَدْ بَلْ وُجِدَ بَعْضُهَا فِي الْأَشْهُرِ.
وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِرُكْنٍ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَتُوجَدُ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ فِي الْأَشْهُرِ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَلَا لِأَهْلِ دَاخِلِ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ: قِرَانٌ وَلَا تَمَتُّعٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ قِرَانُهُمْ وَتَمَتُّعُهُمْ.
وَجْهُ قَوْلِهِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} جَعَلَ التَّمَتُّعَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلِاخْتِصَاصِ ثُمَّ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ الْحِلِّ الَّذِينَ مَنَازِلُهُمْ دَاخِلُ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحُضُورِ لَهُمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ.
وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةٌ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ الَّذِينَ هُمْ دَاخِلُ الْمَوَاقِيتِ الْخَمْسَةِ مَنَازِلُهُمْ مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ لِحَاجَةٍ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، فَكَانُوا فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ، وَلَا قِرَانٌ، وَلِأَنَّ دُخُولَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثَبَتَ رُخْصَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} قِيلَ فِي بَعْضِ وُجُوهِ التَّأْوِيلِ: أَيْ لِلْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ فَيَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ بِالْحَجِّ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهَا غَيْرُهُ إلَّا أَنَّ الْعُمْرَةَ دَخَلَتْ فِيهَا رُخْصَةٌ لِلْآفَاقِيِّ ضَرُورَةَ تَعَذُّرِ إنْشَاءِ السَّفَرِ لِلْعُمْرَةِ نَظَرًا لَهُ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ.
وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ فَلَمْ تَكُنْ الْعُمْرَةُ مَشْرُوعَةً فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي حَقِّهِمْ.
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثُمَّ رُخِّصَ، وَالثَّابِتُ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ يَكُونُ ثَابِتًا بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْآفَاقِ لَا فِي حَقِّ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَبَقِيَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي حَقِّهِمْ مَعْصِيَةً، وَلِأَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ أَنْ تَحْصُلَ الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ لِلْمُتَمَتِّعِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا.
وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّهُ يُلِمُّ بِأَهْلِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لَا مَحَالَةَ فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ التَّمَتُّعِ فِي حَقِّهِ.
وَلَوْ جَمَعَ الْمَكِّيُّ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ، لَكِنْ دَمُ كَفَّارَةِ الذَّنْبِ لَا دَمُ نُسُكٍ، شُكْرًا لِلنِّعْمَةِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يُبَاحَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَلَا يَقُومُ الصَّوْمُ مَقَامَهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا، وَعِنْدَهُ هُوَ دَمُ نُسُكٍ، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيَقُومُ الصَّوْمُ مَقَامَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ.
وَلَوْ أَحْرَمَ الْآفَاقِيُّ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَدَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ، وَهُوَ يُرِيدُ التَّمَتُّعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَ مُحْرِمًا حَتَّى تَدْخُلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَيَأْتِيَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا، فَإِنْ أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ أَوْ بِأَكْثَرِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى بَعْدَ مَا دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَارَ مِيقَاتُهُمْ مِيقَاتَهُ، فَلَا يَصِحُّ لَهُ التَّمَتُّعُ إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ يَعُودَ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا: إلَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ أَوْ إلَى مَوْضِعٍ يَكُونُ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ عَلَى مَا نَذْكُرُ.
وَلَوْ أَحْرَمَ مَنْ لَا تَمَتُّعَ لَهُ مِنْ الْمَكِّيِّ وَنَحْوِهِ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ يَلْزَمُهُ رَفْضُ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَعْصِيَةٌ، وَالنُّزُوعُ عَنْ الْمَعْصِيَةِ لَازِمٌ ثُمَّ يُنْظَرُ: إنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لِعُمْرَتِهِ رَأْسًا فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ عَمَلًا، وَالْحَجُّ أَكْثَرُ عَمَلًا فَكَانَتْ الْعُمْرَةُ أَخَفَّ مُؤْنَةً مِنْ الْحَجَّةِ فَكَانَ رَفْضُهَا أَيْسَرَ، وَلِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ حَصَلَتْ بِسَبَبِهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي دَخَلَتْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالرَّفْضِ، وَيَمْضِي عَلَى حَجَّتِهِ، وَعَلَيْهِ لِرَفْضِ عُمْرَتِهِ دَمٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الْعُمْرَةِ لِمَا نَذْكُرُ، وَإِنْ كَانَ طَافَ لِعُمْرَتِهِ جَمِيعَ الطَّوَافِ أَوْ أَكْثَرَهُ لَا يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ، بَلْ يَرْفُضُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ مُؤَدَّاةٌ، وَالْحَجَّ غَيْرُ مُؤَدًّى فَكَانَ رَفْضُ الْحَجِّ امْتِنَاعًا عَنْ الْأَدَاءِ، وَرَفْضُ الْعُمْرَةِ إبْطَالًا لِلْعَمَلِ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الْعَمَلِ دُونَ إبْطَالِ الْعُمْرَةِ فَكَانَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ طَافَ لَهَا شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يَرْفُضُ الْحَجَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ رَفْضَ الْعُمْرَةِ أَدْنَى، وَأَخَفُّ مُؤْنَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهَا سُمِّيَتْ الْحَجَّةَ الصُّغْرَى فَكَانَتْ أَوْلَى بِالرَّفْضِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَدْرِ الْمُؤَدَّى مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ، وَالْأَكْثَرُ غَيْرُ مُؤَدًّى، وَالْأَقَلُّ بِمُقَابَلَةِ الْأَكْثَرِ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَفْضَ الْحَجَّةِ امْتِنَاعٌ مِنْ الْعَمَلِ، وَرَفْضَ الْعُمْرَةِ إبْطَالٌ لِلْعَمَلِ، وَالِامْتِنَاعُ دُونَ الْإِبْطَالِ فَكَانَ أَوْلَى، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِلْحَجِّ عَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلَّا الْإِحْرَامُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَدَاءِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِرُكْنٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، فَلَا يَكُونُ رَفْضُ الْحَجِّ إبْطَالًا لِلْعَمَلِ بَلْ يَكُونُ امْتِنَاعًا، فَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَقَدْ أَدَّى مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ، وَكَانَ رَفْضُهَا إبْطَالًا لِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْعَمَلِ، فَكَانَ الِامْتِنَاعُ أَوْلَى لِمَا قُلْنَا، وَإِذَا رَفَضَ الْحَجَّةَ عَنْهُ فَعَلَيْهِ لِرَفْضِهَا دَمٌ، وَقَضَاءُ حَجَّةٍ، وَعُمْرَةٍ، وَإِذَا رَفَضَ الْعُمْرَةَ عِنْدَهُمَا فَعَلَيْهِ لِرَفْضِهَا دَمٌ وَقَضَاءُ عُمْرَةٍ، وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ رَفْضُ عُمْرَةٍ فَرَفَضَهَا، فَعَلَيْهِ لِرَفْضِهَا دَمٌ؛ لِأَنَّهُ تَحَلَّلَ مِنْهَا قَبْلَ وَقْتِ التَّحَلُّلِ، فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ كَالْمُحْصَرِ، وَعَلَيْهِ عُمْرَةٌ مَكَانُهَا قَضَاءً؛ لِأَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشُّرُوعِ، فَإِذَا أَفْسَدَهَا يَقْضِيهَا.
وَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ رَفْضُ حَجَّةٍ فَرَفَضَهَا فَعَلَيْهِ لِرَفْضِهَا دَمٌ، وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ أَمَّا لُزُومُ الدَّمِ لِرَفْضِهَا فَلِمَا ذَكَرْنَا فِي الْعُمْرَةِ.
وَأَمَّا لُزُومُ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ، فَأَمَّا الْحَجَّةُ فَلِوُجُوبِهَا بِالشُّرُوعِ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَلِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِأَفْعَالِ الْحَجَّةِ فِي السَّنَةِ الَّتِي أَحْرَمَ فِيهَا فَصَارَ كَفَائِتِ الْحَجِّ، فَيَلْزَمُهُ الْعُمْرَةُ كَمَا يَلْزَمُ فَائِتُ الْحَجِّ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجَّةِ مِنْ سَنَتِهِ فَلَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ، وَكُلُّ مَنْ لَزِمَهُ رَفْضُ أَحَدِهِمَا فَمَضَى فِيهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَعْصِيَةٌ فَقَدْ أَدْخَلَ النَّقْصَ فِي أَحَدِهِمَا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ، لَكِنَّهُ يَكُونُ دَمَ كَفَّارَةٍ لَا دَمَ مُتْعَةٍ، حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا.
وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا أَوْ بِعُمْرَتَيْنِ مَعًا، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَزِمَتَاهُ جَمِيعًا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إحْدَاهُمَا، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ بِعِبَادَتَيْنِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ بِهِمَا جَمِيعًا، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِصَلَاتَيْنِ أَوْ صَوْمَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُضِيَّ فِيهِمَا مُمْكِنٌ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ بِهِمَا كَمَا لَوْ نَوَى صَوْمًا وَصَلَاةً، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي وَقْتَيْنِ، فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا، وَثَمَرَةُ هَذَا الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ، إذَا قَتَلَ صَيْدًا عِنْدَهُمَا يَجِبُ جَزَاءَانِ لِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِهِمَا جَمِيعًا.
وَعِنْدَهُ يَجِبُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ لِانْعِقَادِ الْإِحْرَامِ بِإِحْدَاهُمَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي وَقْتِ ارْتِفَاضِ إحْدَاهُمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْتَفِضُ عَقِيبَ الْإِحْرَامِ بِلَا فَصْلٍ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ يَرْتَفِضُ إذَا قَصَدَ مَكَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَرْتَفِضُ حَتَّى يَبْتَدِئَ بِالطَّوَافِ.
وَلَوْ أَحْرَمَ الْآفَاقِيُّ بِالْعُمْرَةِ فَأَدَّاهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفَرَغَ مِنْهَا، وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَى أَهْله حَلَالًا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ: لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ الْهَدْيُ بَلْ يَكُونُ مُفْرِدًا بِعُمْرَةٍ، وَمُفْرَدًا بِحَجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَهَذَا يَمْنَعُ التَّمَتُّعَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْرِفُ الْإِلْمَامَ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنْ كُنْتَ لَا تَعْرِفُ مَعْنَاهُ لُغَةً فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْقُرْبُ، يُقَالُ: أَلَمَّ بِهِ أَيْ قَرُبَ مِنْهُ.
وَإِنْ كُنْتَ لَا تَعْرِفُ حُكْمَهُ شَرْعًا، فَحُكْمُهُ أَنْ يَمْنَعَ التَّمَتُّعَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَحَّ تَمَتُّعُهُ، وَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ بَطَلَ تَمَتُّعُهُ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِثْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا كَذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعْرَفُ رَأْيًا وَاجْتِهَادًا، فَالظَّاهِرُ سَمَاعُهُمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ التَّمَتُّعَ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ ثَبَتَ رُخْصَةً لِيَجْمَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ، وَيَصِلَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا مَا يُنَافِي النُّسُكَ، وَهُوَ الِارْتِفَاقُ، وَلَمَّا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ مُرَافِقُ الْوَطَنِ فَبَطَلَ الِاتِّصَالُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَلَوْ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ أُخْرَى، وَحَجَّ كَانَ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعُمْرَةِ الْأُولَى قَدْ سَقَطَ بِإِلْمَامِهِ بِأَهْلِهِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِالثَّانِيَةِ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْحَجَّةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ إلْمَامٍ فَكَانَ مُتَمَتِّعًا.
وَلَوْ كَانَ إلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ بَعْدَ مَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْحَلْقِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَعَلَ الْحَرَمَ شَرْطًا لِجَوَازِ الْحَلْقِ- وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ- لابد مِنْ الْعَوْدِ، وَعِنْدَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ شَرْطًا، وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ كَانَ الْعَوْدُ مُسْتَحَبًّا إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا.
وَأَمَّا الْإِلْمَامُ الْفَاسِدُ الَّذِي لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّمَتُّعِ فَهُوَ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْعُمْرَةِ عَادَ إلَى وَطَنِهِ فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، حَتَّى لَوْ عَادَ إلَى مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، كَانَ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ حَتَّى لَوْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ: لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ التَّمَتُّعِ وَهُوَ الْإِلْمَامُ بِالْأَهْلِ قَدْ وُجِدَ، وَالْعَوْدُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ مِنْ التَّمَتُّعِ جَازَ لَهُ ذَبْحُ الْهَدْيِ هَاهُنَا، وَإِذَا لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْعَوْدُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ.
وَلَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ كَذَا هَذَا، وَلَهُمَا أَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى نِيَّةِ التَّمَتُّعِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِلْمَامِ، فَلَا يَبْطُلُ تَمَتُّعُهُ كَالْقَارِنِ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ بُطْلَانِ التَّمَتُّعِ بِالْإِلْمَامِ الصَّحِيحِ إذَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ، فَأَمَّا إذَا عَادَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ كَالْبَصْرَةِ مَثَلًا أَوْ نَحْوِهَا، وَاِتَّخَذَ هُنَاكَ دَارًا أَوْ لَمْ يَتَّخِذْ، تَوَطَّنَ بِهَا أَوْ لَمْ يَتَوَطَّنْ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَهَلْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؟ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمْ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهَذَا وَمَا إذَا أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَبْرَحْ مِنْهَا سَوَاءٌ.
وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلُحُوقُهُ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، وَلُحُوقُهُ بِأَهْلِهِ سَوَاءٌ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ السَّفَرِ الْأَوَّلِ، وَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِوُجُودِ إنْشَاءِ سَفَرٍ آخَرَ، فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ لَا يُبْطِلُ السَّفَرَ الْأَوَّلَ، مَا لَمْ يَعُدْ إلَى مَنْزِلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ فِي سَفَرِهِ يُعَدُّ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهُ سَفَرًا وَاحِدًا مَا لَمْ يَعُدْ إلَى مَنْزِلِهِ، وَلَمْ يَعُدْ هاهنا فَكَانَ السَّفَرُ الْأَوَّلُ قَائِمًا فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَّةَ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَيَلْزَمُهُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ.
وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ وَحَلَّ مِنْهَا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهَا: لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُتَمَتِّعًا إلَّا بِحُصُولِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجَّةِ، وَلَمَّا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ فَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْعُمْرَةُ وَالْحَجَّةُ فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
وَلَوْ قَضَى عُمْرَتَهُ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: فَإِنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ وَحَلَّ مِنْهَا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ بِأَهْلِهِ صَارَ مِنْ أَهْلِ التَّمَتُّعِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَكَانَ مُتَمَتِّعًا، وَإِذَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَحَلَّ مِنْهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْحَرَمِ أَوْ خَرَجَ مِنْهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَى عُمْرَتَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَيَكُونُ مُسِيئًا وَعَلَيْهِ لِإِسَاءَتِهِ دَمٌ، وَإِنْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ الْفَاسِدَةِ، وَحَلَّ مِنْهَا، وَخَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ، وَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَتَّى قَضَى عُمْرَتَهُ، وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ كَالْبَصْرَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ الْفَاسِدَةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، كَأَنَّهُ لَمْ يَبْرَحْ مِنْ مَكَّةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَأَنَّهُ لَحِقَ بِأَهْلِهِ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ فِي مَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ صَارَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَبَطَلَ حُكْمُ ذَلِكَ السَّفَرِ، ثُمَّ إذَا قَدِمَ مَكَّةَ كَانَ هَذَا إنْشَاءَ سَفَرٍ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ نُسُكَانِ فِي هَذَا السَّفَرِ، وَهُوَ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا كَمَا لَوْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، كَذَا هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَلَا تَمَتُّعَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بَاقٍ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ مُسَافِرًا فَهُوَ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى وَطَنِهِ، وَإِذَا كَانَ حُكْمُ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بَاقِيًا، فَلَا عِبْرَةَ بِقُدُومِهِ الْبَصْرَةَ، وَاِتِّخَاذِهِ دَارًا بِهَا، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ لَمْ يَبْرَحْ مِنْهَا حَتَّى قَضَى عُمْرَتَهُ الْفَاسِدَةَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَهَا مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ إلْحَاقِهِ بِأَهْلِ مَكَّةَ، فَصَارَتْ عُمْرَتُهُ وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّتَيْنِ لِصَيْرُورَةِ مِيقَاتِهِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مِيقَاتَ أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا لِوُجُودِ الْإِلْمَامِ بِمَكَّةَ كَمَا فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَصَارَ كَالْمَكِّيِّ إذَا خَرَجَ إلَى أَقْرَبِ الْآفَاقِ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، كَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ فَقَدْ قَطَعَ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بِابْتِدَاءِ سَفَرٍ آخَرَ فَانْقَطَعَ حُكْمُ كَوْنِهِ بِمَكَّةَ، فَبَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَتَى مَكَّةَ وَقَضَى الْعُمْرَةَ، وَحَجَّ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ النُّسُكَانِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَصَارَ مُتَمَتِّعًا، هَذَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ.
فَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ، وَحُكْمُهُ كَمَكِّيٍّ تَمَتَّعَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَيَكُونُ مُسِيئًا، وَعَلَيْهِ لِإِسَاءَتِهِ دَمٌ، وَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ لِمَا مَرَّ.
وَإِنْ عَادَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، وَلَحِقَ بِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ، ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ.
فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فِي وَجْهٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ مَا إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ خَارِجَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا بِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، وَفِي وَجْهٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَهُوَ مَا إذَا رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، لَهُمَا أَنَّ لُحُوقَهُ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ لُحُوقِهِ بِأَهْلِهِ.
وَلَوْ لَحِقَ بِأَهْلِهِ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فَكَذَا هَذَا.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَدْرَكَتْهُ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّهَا أَدْرَكَتْهُ خَارِجَ الْمِيقَاتِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَدْرَكَتْهُ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّمَتُّعِ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا شَرْعًا عَنْ التَّمَتُّعِ، وَلَا يَزُولُ الْمَنْعُ حَتَّى يَلْحَقَ بِأَهْلِهِ.
وَلَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ عَادَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، وَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، فَإِنْ كَانَ طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ عَادَ إلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، وَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ اعْتَمَرَ، وَحَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى أَهْلِهِ حَلَالًا، ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ إلْمَامَهُ بِأَهْلِهِ صَحِيحٌ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّمَتُّعَ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَ مَا طَافَ أَكْثَرَ طَوَافِ عُمْرَتِهِ أَوْ كُلَّهُ، وَلَمْ يَحِلَّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَلَمَّ بِأَهْلِهِ مُحْرِمًا ثُمَّ عَادَ، وَأَتَمَّ بَقِيَّةَ عُمْرَتِهِ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَجْهُ قَوْلِهِ: أَنَّهُ أَدَّى الْعُمْرَةَ بِسَفَرَيْنِ، وَأَكْثَرُهَا حَصَلَ فِي السَّفَرِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا يَمْنَعُ التَّمَتُّعَ، وَلَهُمَا أَنَّ إلْمَامَهُ بِأَهْلِهِ لَمْ يَصِحَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْعَوْدُ إلَى مَكَّةَ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى إحْرَامٍ جَدِيدٍ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَكَذَا لَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَمِنْ نِيَّتِهِ التَّمَتُّعُ، وَسَاقَ الْهَدْيَ لِأَجْلِ تَمَتُّعِهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا عَادَ إلَى أَهْلِهِ مُحْرِمًا ثُمَّ عَادَ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ إلْمَامَهُ بِأَهْلِهِ لَمْ يَصِحَّ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ فَأَحْرَمَ بِهَا لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ فَأَحْرَمَ بِهَا لِلْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ الْإِلْمَامُ بِأَهْلِهِ بَيْنَ الْحَجَّةِ وَالْعُمْرَةِ، فَمَنَعَ التَّمَتُّعَ كَالْكُوفِيِّ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، وَسَوَاءٌ سَاقَ الْهَدْيَ أَوْ لَمْ يَسُقْ، يَعْنِي إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ مَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ، وَسَاقَ الْهَدْيَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَسَوْقُهُ الْهَدْيَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إلْمَامِهِ بِخِلَافِ الْكُوفِيِّ؛ لِأَنَّ الْكُوفِيَّ إنَّمَا يَمْنَعُ سَوْقُ الْهَدْيِ صِحَّةَ إلْمَامِهِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا الْمَكِّيُّ فَلَا يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ الْعَوْدُ، فَصَحَّ إلْمَامُهُ مَعَ السَّوْقِ كَمَا يَصِحُّ مَعَ عَدَمِهِ.
وَلَوْ خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ فَقَرَنَ صَحَّ قِرَانُهُ؛ لِأَنَّ الْقِرَانَ يَحْصُلُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِلْمَامُ فَصَارَ بِعَوْدِهِ إلَى مَكَّةَ كَالْكُوفِيِّ إذَا قَرَنَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْكُوفَةِ.
وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ قِرَانَ الْمَكِّيِّ بَعْدَ خُرُوجِهِ إلَى الْكُوفَةِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ خُرُوجُهُ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ.
فَأَمَّا إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَهُوَ بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ فَقَرَنَ لَمْ يَصِحَّ قِرَانُهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ دُخُولِ الْأَشْهُرِ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى صِفَةٍ لَا يَصِحُّ لَهُ التَّمَتُّعُ، وَلَا الْقِرَانُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَهْلِهِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْكُوفَةِ، وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ، وَأَقَامَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى شَوَّالٍ مِنْ قَابِلٍ ثُمَّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ مِنْ شَوَّالٍ ثُمَّ حَجَّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى إحْرَامِهِ، وَقَدْ أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَصَارَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ.
وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا كَذَا هَذَا، وَبِمِثْلِهِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ فَأَخَّرَ إلَى الْعَامِ الْقَابِلِ فَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ فِي شَوَّالٍ، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّهُ مَا أَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لَهَا، بَلْ لِلتَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامِ الْحَجِّ، فَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ مُعْتَدًّا بِهَا عَنْ الْعُمْرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.